نقص المياه يزيد من مآسي المجاعة والتهجير في غزة

القدس – أ ف ب
تحت شمس حارقة، يسير فلسطينيون جوعى في غزة لعدة كيلومترات يومياً، سعياً للحصول على بضعة ليترات من المياه التي تكون غالباً مالحة، أو ملوّثة، مع تفاقم أزمة المياه في القطاع المحاصر، وفق منظمات إنسانية وشهادات.
وشح المياه أزمة مزمنة في غزة منذ ما قبل اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي دمّرت أكثر من 80% من البنية التحتية لتوزيع المياه، جراء القصف الإسرائيلي والغارات والتجريف.
تقول أم نضال أبو نحل وهي أم لأربعة أطفال: «كنا ننتظر المياه التي تأتي أحياناً كل ثلاثة أيام، أما الآن فننتظر أسبوعاً كاملاً وأحياناً أكثر».
وتوضح: «أشعر أحياناً أن جسدي يجف من الداخل، العطش يسلب طاقتي وطاقة أطفالي».
تعمل منظمات غير حكومية على تركيب صنابير للمياه في بعض المخيمات، كما تنقل المياه إلى الأهالي بالشاحنات، لكن هذه الكميات بعيدة عن توفير الحد الأدنى من الاحتياجات.
في شمال غزة، قامت إسرائيل بإعادة ربط بعض أنابيب المياه بشبكة شركة المياه الإسرائيلية «ميكوروت»، بعد أن قطعت الإمدادات في بداية الحرب، لكن السكان أكدوا أن المياه لا تزال مقطوعة.
وتقول السلطات المحلية، إن السبب يعود إلى الأضرار التي لحقت بشبكة توزيع المياه في غزة نتيجة الحرب، إذ تم تدمير خطوط المياه الرئيسية.
وأوضح المتحدث باسم بلدية غزة عاصم النبيه، أن الجزء من الشبكة الذي يتلقى المياه من «ميكوروت» لم يعمل منذ نحو أسبوعين.
كما تعرّضت الآبار التي كانت تغطي جزءاً من الاحتياجات قبل الحرب، لأضرار، وبعضها تلوث بمياه الصرف الصحي التي لا تتم معالجتها بسبب الحرب.
وحتى الآبار التي قد تكون غير ملوثة، لم يعد بمقدرة السكان الوصول إليها، إما لأنها تقع داخل مناطق القتال، أو قريبة من منشآت عسكرية إسرائيلية، أو ضمن مناطق تلقى سكانها أوامر بالإخلاء.
وإن تيسر لبعضهم الوصول إلى هذه الآبار، فإنهم غير قادرين على سحب المياه منها؛ لأن ذلك يحتاج إلى الكهرباء غير المتوفرة، منذ أن قطعت إسرائيل التيار الكهربائي كجزء من حملتها العسكرية. ويمكن تشغيل المضخات بواسطة مولدات الكهرباء، لكن أولوية استخدامها تبقى للمستشفيات.
أما محطات تحلية المياه المحلية، توقف معظمها عن العمل باستثناء موقع واحد أُعيد تشغيله الأسبوع الماضي، بعد أن عادت إسرائيل وزودته بالمياه.
الأضرار كبيرة جداً
وقال النبيه، إن وضع البنية التحتية مأسوي، مشيراً إلى تضرر أكثر من 75% من الآبار المركزية لتصير خارج الخدمة، في حين دُمّر 85% من معدات الأشغال العامة الثقيلة والمتوسطة، وتعرضت 100 ألف متر من شبكات المياه، وأكثر من 200 ألف متر من شبكات الصرف الصحي لأضرار «كبيرة جداً»، وكذلك المضخات ومحطات الصرف الصحي.
ودمر القصف والغارات وعمليات التوغل العسكري أكثر من 70% من الشوارع والطرق، وسط تراكم لأكثر من ربع مليون طن من النفايات.
يقول محمد أبو سخيلا (32 عاماً) من مدينة جبالبا في شمال قطاع غزة، إن «رائحة النفايات تملأ المكان».
وأضاف: «المياه التي نشربها مالحة ومملوءة بالأتربة.. ومياه الصرف الصحي تغرق المناطق بسبب دمار البنية التحتية».
ويحاول مئات آلاف الغزيين استخراج المياه الجوفية مباشرة من الآبار، لكن من المعروف، أن طبقة المياه الجوفية في غزة مالحة بطبيعتها، وتتجاوز معايير الملوحة المحددة لمياه الشرب.
منذ عام 2021، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من أن نحو 100% من المياه الجوفية في غزة غير صالحة للاستهلاك.
ومع صعوبة العثور على مياه نظيفة، يعتقد غزيون أن المياه المالحة خالية من البكتيريا، على الرغم من تحذيرات عمال إغاثة من أن تناول المياه المالحة يضر بالكلى، حتى وإن تحمّل السكان ملوحتها.
انتشار الأمراض
ورغم أن أزمة المياه في غزة لا تلقى الاهتمام الذي تحظى به أزمة الجوع المتواصلة، لكن آثارها قاتلة بالقدر ذاته.
وقالت المتحدثة باسم اليونيسيف روزاليا بولين: «مثل الطعام، يجب عدم تسييس المياه». وأوضحت أنه من الصعب جداً تحديد حجم النقص في المياه، لكنها تؤكد أن «هناك نقصاً حاداً في مياه الشرب». وأضافت: «الحر شديد والأمراض تنتشر، والمياه هي المشكلة التي لا نتحدث عنها بالقدر الكافي».
وكما أن الحصول على طعام في غزة من أصعب المهام، فإن العثور على مياه نظيفة أمر نادر الحدوث.
في 13 يوليو/تموز الماضي، قُتل ما لا يقل عن ثمانية أشخاص جراء ضربة إسرائيلية عندما تجمعوا عند نقطة لتوزيع المياه في مخيم النصيرات، وسط القطاع، وفق ما أفاد الدفاع المدني في غزة.
«الخوف والعجز»
في 24 يوليو/تموز الماضي، أصدر التجمع الوطني للقبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية نداءً للمساعدة، دعوا فيه إلى «توفير المياه والمساعدات الإنسانية اللازمة، والعمل الفوري على إصلاح البنية التحتية، وضمان دخول الوقود والمعدات لتشغيل المحطات والآبار».
وتؤكد منظمات الإغاثة في غزة، أنه لا يمكن البقاء على قيد الحياة بدون مياه للشرب، ولا يمكن الوقاية من الأمراض بدون خدمات الصرف الصحي.
ويقول مصدر دبلوماسي يعمل في هذا المجال، إن «التحديات تتكاثر في ظل عدم الوصول إلى المياه، والتدهور العام للوضع في بيئة هشة بالفعل». وقال محمد ديب (35 عاماً) النازح في غرب مدينة غزة، إن «المياه التي نجدها تكون غالباً غير صالحة للشرب. لا خيار أمامنا».
وأضاف ديب الذي كان متجهاً نحو نقطة لتوزيع المياه، حاملاً غالونات ثقيلة على ظهره: «نعرف أنها ملوثة لكن ماذا نفعل.العطش يؤثر في أبنائي الأطفال، وحتى نحن الكبار» وقال، إن العطش في ظل الحرب «ممزوج بطعم الخوف والعجز، الحرب لم تترك شيئاً لم تقتله».
تعليقات