ترامب يعزز جهوده ضد استقلال المؤسسات الاقتصادية

بيانات العمل ضحية صراع السلطة
اقتصاد أمريكا على ميزان السياسة
شغورٌ استراتيجي في الفيدرالي
إقالة مفاجئة واستقالة مدوية
هل سقط القناع عن حياد الأرقام؟
البيت الأبيض يقتحم غرفة المحركات الاقتصادية
متابعة: هشام مدخنة
في يوم وصفه مراقبون بأنه أحد أكثر الأيام اضطراباً في العلاقة بين البيت الأبيض والمؤسسات الاقتصادية الأمريكية، أقال الرئيس دونالد ترامب مفوّضة مكتب إحصاءات العمل، إيريكا ماكينتارفر، بعد ساعات من صدور تقرير وظائف كارثي أطاح بتفاؤل الأسواق.
التقرير أظهر تباطؤاً حاداً في نمو الوظائف، هو الأسوأ منذ جائحة «كورونا»، ما تسبب في هبوط واسع النطاق في المؤشرات الأمريكية. لكن بدلاً من معالجة التداعيات، وجّه ترامب اللوم مباشرة إلى الجهة الناشرة للبيانات، متّهماً ماكينتارفر بالتحيّز السياسي.
المعركة على البيانات
لطالما هاجم ترامب الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه جيروم باول، مطالباً بتخفيضات فورية في أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد. إلا أن استهدافه الآن لمكتب إحصاءات العمل، يثير مخاوف عميقة من تسييس الأرقام التي تحرك الأسواق العالمية.
وقال يونغ يو ما، كبير الاستراتيجيين في «بي إن سي أسيت مانجمنت»: «إن استهداف المكتب يثير قلقاً واسعاً في السوق من احتمال تسرب السياسة إلى القرارات الاقتصادية». وتساءل: «ما الخطوة التالية؟ هل سيهدد ترامب بإقالة رئيس الفيدرالي مجدداً؟»
الكرسي الشاغر
في تطور موازٍ ومفاجئ، أعلنت عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، أدريانا كوغلر، استقالتها في نفس اليوم، ما منح ترامب فرصة ذهبية لتسمية بديل يُرجّح أن يتماشى مع رؤيته الداعية إلى تخفيض أسعار الفائدة.
هذا المنصب الذي بدا شاغراً فجأةً بات أداة جديدة قد يستخدمها الرئيس لتعزيز تأثيره داخل المؤسسة التي انتقد استقلاليتها مراراً وتكراراً، وقد يؤدي إلى تغييرٍ محتمل في ميزان القوى داخل مجلس الفيدرالي.
فتحت استقالة كوغلر، التي كانت من المقرر أن تنهي ولايتها في يناير/ كانون الثاني 2026، الباب أمام تكهنات خطيرة: هل سيستغل ترامب هذا الشغور لتسمية شخصية موالية قد تترقى لاحقاً إلى رئاسة الفيدرالي؟
وزير الخزانة سكوت بيسنت، لمح إلى ذلك سابقاً. لكن أعضاء رئيسيين في لجنة الشؤون المصرفية بمجلس الشيوخ شددوا على ضرورة اختيار شخصية من التيار الاقتصادي السائد. وقال السيناتور الجمهوري توم تيليس: «لن أدعم أي مرشّح يسعى وراء تغيير جذري في الفيدرالي، فقط لتنفيذ خفض أسعار الفائدة استجابة لمطالب ترامب».
الرئيس يتوعد بأول مجدداً
استغل ترامب بيانات التوظيف الأخيرة لتجديد هجومه على جيروم باول، الذي استند إلى متانة سوق العمل كمبرر للإبقاء على أسعار الفائدة من دون تغيير. لكن الأسواق فسّرت ضعف الأرقام كمؤشر قوي على خفض محتمل للفائدة في سبتمبر/أيلول، حيث تراجعت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين بأكبر وتيرة منذ 2023.
وفي منشور ناري على منصته الاجتماعية «تروث»، دعا ترامب أعضاء مجلس الفيدرالي إلى «تولي زمام الأمور والقيام بما يعرف الجميع أنه يجب فعله»، في دعوة صريحة إلى التمرّد على قيادة باول.
جدار دفاع اقتصادي
لكن ردود الفعل لم تتأخر. فقد دافع خبراء اقتصاديون من اليمين واليسار، بل حتى من داخل المعسكر الجمهوري، بشدة عن ماكنتارفر، معتبرين إقالتها «سابقة خطيرة».
ووصف وليام بيتش، الذي كان على رأس مكتب إحصاءات العمل خلال ولاية ترامب الأولى، القرار بأنه «بلا أساس»، محذراً من تداعياته على نزاهة البيانات. كما قال مايكل سترين من معهد «أمريكان إنتربرايز» المحافظ، إنه لا يوجد دليل إطلاقاً على أن ماكنتارفر تلاعبت بالأرقام.
أما وزير العمل، لوري شافيز-دي ريملر، فأعلن أن نائب المفوض، ويليام ويتروفسكي، سيتولى المنصب مؤقتاً، بينما لم تُدلِ ماكنتارفر بأي تعليق حتى الآن.
هل ينهار «المعيار الذهبي» للبيانات؟
لطالما اعتُبرت وكالات البيانات الأمريكية، وخصوصاً مكتب إحصاءات العمل، من أكثر الجهات مصداقية في العالم، نظراً لما تُمثله من مرجعية للمستثمرين وصنّاع القرار على امتداد العالم. لكن تهجّم ترامب على هذه المؤسسات يهدد بتقويض هذه السمعة، وربما يعمّق مناخ عدم اليقين في اقتصاد عالمي مترنّح.
وفي خضمّ كل ذلك، يخرج ترامب ليقول إنه «سعيد للغاية» بالشغور في مجلس الفيدرالي، ويطالب باول بأن يحذو حذو كوغلر ويستقيل!.
في عين العاصفة
يطرح المشهد الذي يتكشّف أمامنا اليوم سؤالاً وجودياً حول طبيعة العلاقة بين السياسة والاقتصاد في أمريكا ما بعد 2025: هل يسعى ترامب إلى استعادة السيطرة على أدوات السياسة النقدية والبيانات عبر الإقالات والتعيينات؟ أم أن سعيه هذا سيقود إلى تآكل المؤسسات، وفتح أبواب الفوضى في قلب النظام المالي العالمي؟
الأسواق تترقب، والاحتياطي الفيدرالي في عين العاصفة، فيما يتعمق الخوف من أن تكون الأرقام القادمة ليست قاتمة فقط… بل مُسيّسة.
«بلومبيرغ»
تعليقات